الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله: (باب ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أنها نزلت في كعب بن الأشرف فيما كان يهجو به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الشعر، وقد تقدم في المغازي خبره، وفيه شرح حديث " من لكعب بن الأشرف، فإنه آذى الله ورسوله " وروى ابن أبي حاتم وابن المنذر بإسناد حسن عن ابن عباس أنها نزلت فيما كان بين أبي بكر وبين فنحاص اليهودي في قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَالَ حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا غَشِيَتْ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَيُّهَا الْمَرْءُ إِنَّهُ لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا فَلَا تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجْلِسِنَا ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ فَلَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَابَّتَهُ فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ عَنْهُ فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ لَقَدْ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ فَلَمَّا أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ شَرِقَ بِذَلِكَ فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا الْآيَةَ وَقَالَ اللَّهُ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَوَّلُ الْعَفْوَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ فِيهِمْ فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا فَقَتَلَ اللَّهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ فَبَايَعُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا الشرح: قوله: (على قطيفة فدكية) أي كساء غليظ منسوب إلى فدك بفتح الفاء والدال، وهي بلد مشهور على مرحلتين من المدينة. قوله: (يعود سعد بن عبادة) فيه عيادة الكبير بعض أتباعه في داره. و قوله: (في بني الحارث بن الخزرج) أي في منازل بني الحارث وهم قوم سعد بن عبادة. قوله: (قبل وقعة بدر) في رواية الكشميهني " وقيعة". قوله: (وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي) أي قبل الإسلام. قوله: (فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين) كذا فيه تكرار لفظ المسلمين آخرا بعد البداءة به، والأولى حذف أحدهما، وسقطت الثانية من رواية مسلم وغيره. وأما قوله " عبدة الأوثان " فعلى البدل من المشركين، وقوله "اليهود " يجوز أن يكون معطوفا على البدل أو على المبدل منه وهو أظهر لأن اليهود مقرون بالتوحيد، نعم من لازم قول من قال منهم عزيز ابن الله تعالى عن قولهم الإشراك، وعطفهم على أحد التقديرين تنويها بهم في الشر، ثم ظهر لي رجحان أن يكون عطفا على المبدل منه كأنه فسر المشركين بعبدة الأوثان وباليهود، ومنه يظهر توجيه إعادة لفظ المسلمين كأنه فسر الأخلاط بشيئين المسلمين والمشركين، ثم لما فسر المشركين بشيئين رأى إعادة ذكر المسلمين تأكيدا، ولو كان قال: لا هن المسلمين والمشركين واليهود ما احتاج إلى إعادة، وإطلاق المشركين على الشهود لكونهم يضاهون قولهم ويرجحونهم على المسلمين ويوافقونهم في تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام ومعاداته وقتاله بعدما تبين لهم الحق، ويؤيد ذلك أنه قال في آخر الحديث " قال عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان " فعطف عبدة الأوثان على المشركين، وبالله التوفيق. قوله: (عجاجة) بفتح المهملة وجيمين الأولى خفيفة أي غبارها وقوله " خمر " أي غطى، وقوله "أنفه " في رواية الكشميهني " وجهه". قوله: (فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم) يؤخذ منه جواز السلام على المسلمين إذا كان معهم كفار وينوي حينئذ بالسلام المسلمين، ويحتمل أن يكون الذي سلم به عليهم صيغة عموم فيها تخصيص كقوله السلام على من اتبع الهدى. قوله: (ثم وقف فنزل) عبر عن انتهاء مسيره بالوقوف. قوله: (إنه لا أحسن مما تقول) بنصب أحسن وفتح أوله على أنه أفعل تفضيل، ويجوز في أحسن الرفع على أنه خير لا والاسم محذوف أي لا شيء أحسن من هذا، ووقع في رواية الكشميهني بضم أوله كسر السين وضم النون، ووقع في رواية أخرى لأحسن بحذف الألف لكن بفتح السين وضم النون على أنها لام القسم كأنه قال أحسن من هذا أن تقعد في بيتك، حكاه عياض عن أبي علي واستحسنه، وحكى ابن الجوزي تشديد السين المهملة بغير نون من الحس أي لا أعلم منه شيئا. قوله: (يتثاورون) بمثلثة أي يتواثبون، أي قاربوا أي يثب بعضهم على بعض فيقتتلوا، يقال ثار إذا قام بسرعة وانزعاج. قوله: (حتى سكنوا) بالنون كذا للأكثر، وعند الكشميهني بالمثناة، ووقع في حديث أنس أنه نزل في ذلك قوله: (أيا سعد) في رواية مسلم " أي سعد". قوله: (أبو حباب) بضم المهملة وبموحدتين الأول خفيفة وهي كنية عبد الله بن أبي، وكناه النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لكونه كان مشهورا بها أو لمصلحة التألف. قوله: (ولقد اصطلح) بثبوت الواو للأكثر وبحذفها لبعضهم. قوله: (أهل هذه البحرة) في رواية الحموي " البحيرة " بالتصغير، وهذا اللفظ يطلق على القرية وعلى البلد، والمراد به هنا المدينة النبوية، ونقل ياقوت أن البحرة من أسماء المدينة النبوية. قوله: (على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة) يعني يرئسوه عليهم ويسودوه، وسمى الرئيس معصبا لما يعصب برأسه من الأمور، أو لأنهم يعصبون رءوسهم بعصابة لا تنبغي لغيرهم يمتازون بها، ووقع في غير البخاري " فيعصبونه " والتقدير فهم يعصبونه أو فإذا هم يعصبونه؛ وعند ابن إسحاق لقد جاءنا الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه، فهذا تفسير المراد وهو أولى مما تقدم. قوله: (شرق بذلك) بفتح المعجمة وكسر الراء أي غص به، وهو كناية عن الحسد، يقال غص بالطعام وشجي بالعظم وشرق بالماء إذا اعترض شيء من ذلك في الحلق فمنعه الإساغة. قوله: (وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب) هذا حديث آخر أفرده ابن حاتم في التفسير عن الذي قبله وإن كان الإسناد متحدا، وقد أخرج مسلم الحديث الذي قبله مقتصرا عليه ولم يخرج شيئا من هذا الحديث الآخر. قوله: (وقال الله قوله: (حتى أذن الله فيهم) أي في قتالهم، أي فترك العفو عنهم، وليس المراد أنه تركه أصلا بل بالنسبة إلى ترك القتال أولا وقوعه آخرا، وإلا فعفوه صلى الله عليه وسلم كثير من المشركين واليهود بالمن والفداء وصفحه عن المنافقين مشهور في الأحاديث والسير. قوله: (صناديد) بالمهملة ثم نون خفيفة جمع صنديد بكسر ثم سكون وهو الكبير في قومه. قوله: (هذا أمر قد توجه) أي ظهر وجهه. قوله: (فبايعوا) بلفظ الماضي، ويحتمل أن يكون بلفظ الأمر. والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) سقط لفظ " باب " لغير أبي ذر. الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَنَزَلَتْ لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا الْآيَةَ الشرح: قوله: (حدثنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني، والإسناد كله مدنيون إلى شيخ البخاري. قوله: (إن رجالا من المنافقين) هكذا ذكره أبو سعيد الخدري في سبب نزول الآية وأن المراد من كان يعتذر عن التخلف من المنافقين، وفي حديث ابن عباس الذي بعده أن المراد من أجاب من اليهود بغير ما سئل عنه وكتموا ما عندهم من ذلك، ويمكن الجمع بأن تكون الآية نزلت في الفريقين معا، وبهذا أجاب القرطبي وغيره، وحكى الفراء أنها نزلت في قول اليهود نحن أهل الكتاب الأول والصلاة والطاعة، ومع ذلك لا يقرون بمحمد فنزلت الحديث: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِبَوَّابِهِ اذْهَبْ يَا رَافِعُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْ لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بِمَا أُوتِيَ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ إِنَّمَا دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ فَأَرَوْهُ أَنْ قَدْ اسْتَحْمَدُوا إِلَيْهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيمَا سَأَلَهُمْ وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كَذَلِكَ حَتَّى قَوْلِهِ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ح حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بِهَذَا الشرح: قوله: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني. قوله: (عن ابن أبي مليكة) في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج " أخبرني ابن أبي مليكة " وسيأتي، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج. قوله: (أن علقمة بن وقاص) هو الليثي من كبار التابعين وقد قيل إن له صحبة. وهو راوي حديث الأعمال عن عمر. قوله: (إن مروان) هو ابن الحكم بن أبي العاص الذي ولي الخلافة. وكان يومئذ أمير المدينة من قبل معاوية. قوله: (قال لبوابه اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل) رافع هذا لم أر له ذكرا في كتاب الرواة إلا بما جاء في هذا الحديث، والذي يظهر من سياق الحديث أنه توجه إلى ابن عباس فبلغه الرسالة ورجع إلى مروان بالجواب فلولا أنه معتمد عند مروان ما قنع برسالته، لكن قد ألزم الإسماعيلي البخاري أن يصحح حديث يسرة بن صفوان في نقض الوضوء من مس الذكر فإن عروة ومروان اختلفا في ذلك فبعث مروان حرسيه إلى يسرة فعاد إليه بالجواب عنها فضار الحديث من رواية عروة عن رسول مروان عن يسرة " ورسول مروان مجهول الحال فتوقف عن القول بصحة الحديث جماعة من الأئمة لذلك، فقال الإسماعيلي أن القصة التي في حديث الباب شبيهة بحديث يسرة، فإن كان رسول مروان معتمدا في هذه فليعتمد في الأخرى فإنه لا فرق بينهما. إلا أنه في هذه القصة سمى رافعا ولم يسم الحرسي، قال ومع هذا فاختلف على ابن جريج في شيخ شيخه فقال عبد الرزاق وهشام عنه عن ابن أبي مليكة عن علقمة. وقال حجاج بن محمد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن حميد بن عبد الرحمن، ثم ساقه من رواية محمد بن عبد الملك بن جريج عن أبيه عن ابن أبي مليكة عن حميد بن عبد الرحمن، فصار لهشام متابع وهو عبد الرزاق ولحجاج بن محمد متابع وهو محمد، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج كما قال عبد الرزاق. والذي يتحصل لي من الجواب عن هذا الاحتمال أن يكون علقمة بن وقاص كان حاضرا عند ابن عباس لما أجاب، فالحديث من رواية علقمة عن ابن عباس، وإنما قص علقمة سبب تحديث ابن عباس بذلك فقط، وكذا أقول في حميد بن عبد الرحمن فكأن ابن أبي مليكة حمله عن كل منهما، وحدث به ابن جريج عن كل منهما، فحدث به ابن جريج تارة عن هذا وتارة عن هذا. وقد روى ابن مردويه في حديث أبي سعيد ما يدل على سبب إرساله لابن عباس فأخرج من طريق الليث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: كان أبو سعيد وزيد بن ثابت ورافع بن خديج عند مروان فقال: يا أبا سعيد أرأيت قول الله - فذكر الآية - فقال: إن هذا ليس من ذاك، إنما ذاك أن ناسا من المنافقين - فذكر نحو حديث الباب وفيه - فإن كان لهم نصر وفتح حلفوا لهم على سرورهم بذلك ليحمدوهم على فرحهم وسرورهم، فكأن مروان توقف في ذلك، فقال أبو سعيد: هذا يعلم بهذا، فقال: أكذلك يا زبد؟ قال: نعم صدق. ومن طريق مالك عن زيد ابن أسلم عن رافع بن خديج أن مروان سأله عن ذلك فأجابه بنحو ما قال أبو سعيد فكأن مروان أراد زيادة الاستظهار، فأرسل بوابه رافعا إلى ابن عباس يسأله عن ذلك، والله أعلم. وأما قول البخاري عقب الحديث: تابعه عبد الرزاق عن ابن جريج، فيريد أنه تابع هشام بن يوسف على روايته إياه عن ابن جريج. عن ابن أبي مليكة عن علقمة، ورواية عبد الرزاق وصلها في التفسير وأخرجها الإسماعيلي والطبري وأبو نعيم وغيرهم من طريقه، وقد ساق البخاري إسناد حجاج عقب هذا ولم يسق المتن بل قال: عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره أن مروان بهذا، وساقه مسلم والإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ " أن مروان قال لبوابه اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقال له " فذكر نحو حديث هشام. قوله: (لنعذبن أجمعون) في رواية حجاج بن محمد " لنعذبن أجمعين". قوله: (إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهودا فسألهم عن شيء) في رواية حجاج بن محمد " إنما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب". قوله: (فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم) في رواية حجاج بن محمد " فخرجوا قد أروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه " وهذا أوضح. قوله: (بما أتوا) كذا للأكثر بالقصر بمعنى جاءوا أي بالذي فعلوه، وللحموي " بما أوتوا " بضم الهمزة بعدها واو أي أعطوا، أي من العلم الذي كتموه، كما قال تعالى قوله: (ثم قرأ ابن عباس وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) فيه إشارة إلى أن الذين أخبر الله عنهم في الآية المسئول عنها هم المذكورون في الآية التي قبلها. وأن الله ذمهم بكتمان العلم الذي أمرهم أن لا يكتموه، وتوعدهم بالعذاب على ذلك ووقع في رواية محمد بن ثور المذكورة " فقال ابن عباس: قال الله جل ثناؤه في التوراة إن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده وإن محمدا رسول الله". (تنبيه) الشيء الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه اليهود لم أره مفسرا، وقد قيل إنه سألهم عن صفته عندهم بأمر واضح، فأخبروه عنه بأمر مجمل. وروى عبد الرزاق من طريق سعيد بن جبير في قوله: وفي قوله: *3* الشرح: قوله: (باب قوله إن في خلق السماوات والأرض) ساق إلى (الألباب) وذكر حديث ابن عباس في بيت ميمونة أورده مختصرة، وقد تقدم شرحه مستوفى في أبواب الوتر. وورد في سبب نزول هذه الآية ما أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " أتت قريش اليهود فقالوا أيما جاء به موسى؟ قالوا: العصا ويده " الحديث، إلى أن قال " فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا الصفا ذهبا، فنزلت هذه الآية " ورجاله ثقات، إلا الحماني فإنه تكلم فيه. وقد خالفه الحسن بن موسى فرواه عن يعقوب عن جعفر عن سعيد مرسلا وهو أشبه، وعلى تقدير كونه محفوظا وصله ففيه إشكال من جهة أن هذه السورة مدنية وقريش من أهل مكة. قلت: ويحتمل أن يكون سؤالهم لذلك بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولا سيما في زمن الهدنة. *3* الشرح: قوله: (باب ووقع في هذه الرواية " فقرأ الآيات العشر الأواخر من آل عمران حتى ختم " فلهذا ترجم ببعض الآية المذكورة. واستفيد من الرواية التي في الباب قبله أن أول المقروء قوله تعالى *3* الشرح: قوله: (باب ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) ذكر فيه حديث ابن عباس المذكور، وليس فيه إلا تغيير شيخ شيخه فقط، وسياق الرواية في هذا الباب أتم من تلك. ووقع في رواية الأصلي هنا " وأخذ بيدي اليمنى " وهو وهم والصواب " بأذني " كما في سائر الروايات. *3* الشرح: قوله: (باب قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَنْكِفُ يَسْتَكْبِرُ قِوَامًا قِوَامُكُمْ مِنْ مَعَايِشِكُمْ لَهُنَّ سَبِيلًا يَعْنِي الرَّجْمَ لِلثَّيِّبِ وَالْجَلْدَ لِلْبِكْرِ وَقَالَ غَيْرُهُ مَثْنَى وَثُلَاثَ يَعْنِي اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا وَلَا تُجَاوِزُ الْعَرَبُ رُبَاعَ الشرح: قوله: (سورة النساء - بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. قوله: (قال ابن عباس: يستنكف يستكبر) وقع هذا في رواية المستملي والكشميهني حسب، وقد وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى وقال الطبري: معنى يستنكف يأنف، وأسند عن قتادة قال: يحتشم. وقال الزجاج: هو استفعال من النكف وهو الأنفة، والمراد دفع ذلك عنه، ومنه نكفت الدمع بالإصبع إذا منعته من الجري على الخد. قوله: (قواما قوامكم من معايشكم) هكذا وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ووصله الطبري من هذا الوجه بلفظ قلت: ولا حاجة لذلك لأنه ناقل لها عن ابن عباس، وقد ورد عنه كلا الأمرين: وقيل إنها أيضا قراءة ابن عمر أعني بالواو، وقد قرئ في المشهور عن أهل المدينة أيضا " قيما " بلا ألف، وفي الشواذ قراءات أخرى. وقال أبو ذر الهروي قوله " قوامكم " إنما قاله تفسيرا لقوله: (قياما) على القراءة الأخرى. قلت: ومن كلام أبي عبيدة يحصل جوابه. قوله: (مثنى وثلاث ورباع يعني اثنتين وثلاثا وأربعا، ولا تجاوز العرب رباع) كذا وقع لأبي ذر فأوهم أنه عن ابن عباس أيضا كالذي قبله، ووقع لغيره. وقال غيره مثنى إلخ " وهو الصواب فإن ذلك لم يرو عن ابن عباس وإنما هو تفسير أبي عبيدة قال: لا تنوين في مثنى لأنه مصروف عن حده، والحد أن يقولوا اثنين وكذلك ثلاث ورباع لأنه ثلاث وأربع، ثم أنشد شواهد لذلك ثم قال: ولا تجاوز العرب رباع غير أن الكميت قال: فلم يستريثوك حتى رميت فوق الرجال خصالا عشارا انتهى وقيل: بل يجوز إلى سداس، وقيل إلى عشار. قال الحريري في " درة الغواص " غلط المتنبي في قوله " أحاد أم سداس في أحاد " لم يسمع في الفصيح إلا مثنى وثلاث ورباع، والخلاف في خماس إلى عشار. ويحكى عن خلف الأحمر أنه أنشد أبياتا من خماس إلى عشار. وقال غيره: في هذه الألفاظ المعدولة هل يقتصر فيها على السماع أو يقاس عليها؟ قولان أشهرهما الاقتصار، قال ابن الحاجب: هذا هو الأصح، ونص عليه البخاري في صحيحه. كذا قال. قلت: وعلى الثاني يحمل بيت الكميت، وكذا قول الآخر: ضربت خماس ضربة عبشمي أراد سداس أن لا تستقيما وهذه المعدولات لا تقع إلا أحوالا كهذه الآية، أو أوصافا كقوله تعالى وقيل يجوز. وكذا مثلث إلخ. وقول أبي عبيدة إن معنى مثنى اثنتين فيه اختصار وإنما معناه اثنتين اثنتين وثلاث ثلاث، وكأنه ترك ذلك لشهرته، أو كان لا يرى التكرار فيه، وسيأتي ما يتعلق بعدد ما ينكح من النساء في أوائل النكاح إن شاء الله تعالى. قوله: (لهن سبيلا يعني الرجم للثيب والجلد للبكر) ثبت هذا أيضا في رواية المستملي والكشميهني حسب، وهو من تفسير ابن عباس أيضا وصله عبد بن حميد عنه بإسناد صحيح، وروى مسلم وأصحاب السنن من حديث عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " والمراد الإشارة إلى قوله تعالى *3* الشرح: قوله: (باب وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر، ومعنى (خفتم) ظننتم، ومعنى (تقسطوا) تعدلوا، وهو من أقسط يقال قسط إذا جار وأقسط إذا عدل، وقيل الهمزة فيه للسلب أي أزال القسط، ورجحه ابن التين بقوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى أَحْسِبُهُ قَالَ كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ الْعَذْقِ وَفِي مَالِهِ الشرح: قوله: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف، وهذه الترجمة من لطائف أنواع الإسناد، وهي ابن جريج عن هشام، وهشام الأعلى هو ابن عروة والأدنى ابن يوسف. قوله: (إن رجلا كانت له يتيمة فنكحها) هكذا قال هشام عن ابن جريج فأوهم أنها نزلت في شخص معين، والمعروف عن هشام بن عروة التعميم، وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج ولفظه " أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة إلخ " وكذا هو عند المصنف في الرواية التي تلي هذه من طريق ابن شهاب عن عروة، وفيه شيء آخر نبه عليه الإسماعيلي وهو قوله " فكان لها عذق فكان يمسكها عليه " فإن هذا نزل في التي يرغب عن نكاحها، وأما التي يرغب في نكاحها فهي التي يعجبه مالها وجمالها فلا يزوجها لغيره ويريد أن يتزوجها بدون صداق مثلها، وقد وقع في رواية ابن شهاب التي بعد هذه التنصيص على القصتين، ورواية حجاج بن محمد سالمة من هذا الاعتراض فإنه قال فيها " أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة وهي ذات مال إلخ " وكذا أخرجه المصنف في أواخر هذه السورة من طريق أبي أسامة، وفي النكاح من طريق وكيع كلاهما عن هشام. قوله: (عذق) بفتح العين المهملة وسكون المعجمة: النخلة، وبالكسر الكباسة والقنو، وهو من النخلة كالعنقود من الكرمة، والمراد هنا الأول. وأغرب الداودي ففسر العذق في حديث عائشة هذا بالحائط. قوله: (وكان يمسكها عليه) أي لأجله. وفي رواية الكشميهني " فيمسك بسببه " قوله: (أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق) هو شك من هشام بن يوسف، ووقع مبينا مجزوما به في رواية أبي أسامة ولفظه " هو الرجل يكون عنده اليتيمة هو وليها وشريكته في ماله حتى في العذق فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلا فيشركه في ماله فيعضلها، فنهوا عن ذلك " ورواية ابن شهاب شاملة للقصتين، وقد تقدمت في الوصايا من رواية شعيب عنه. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَقَالَتْ يَا ابْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ فَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنْ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَإِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ قَالَتْ فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا عَنْ مَنْ رَغِبُوا فِي مَالِهِ وَجَمَالِهِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذَا كُنَّ قَلِيلَاتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ الشرح: قوله: (اليتيمة) أي التي مات أبوها. قوله: (في حجر وليها) أي الذي يلي مالها. قوله: (بغير أن يقسط في صداقها) في النكاح من رواية عقيل عن ابن شهاب " ويريد أن ينتقص من صداقها". قوله: (فيعطيها مثل ما يعطينها غيره) هو معطوف على معمول بغير أي يريد أن يتزوجها بغير أن يعطيها مثل ما يعطيها غيره، أي ممن يرغب في نكاحها سواه، ويدل على هذا قوله بعد ذلك " فنهول عن ذلك إلا أن يبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق " وقد تقدم في الشركة من رواية يونس عن ابن شهاب بلفظ " بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره". قوله: (فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن) أي بأي مهر توافقوا عليه، وتأويل عائشة هذا جاء عن ابن عباس مثله أخرجه الطبري، وعن مجاهد مناسبة ترتب قوله: قوله: (قال عروة قالت عائشة) هو معطوف على الإسناد المذكور وإن كان بغير أداة عطف. وفي رواية عقيل وشعيب المذكورين " قالت عائشة فاستفتى الناس " إلخ. قوله: (بعد هذه الآية) أي بعد نزول هذه الآية بهذه القصة. وفي رواية عقيل " بعد ذلك". قوله: (فأنزل الله (تنبيه) : أغفل المزي في الأطراف عزو هذه الطريق أي طريق صالح عن ابن شهاب إلى كتاب التفسير واقتصر على عزوها إلى كتاب الشركة. قوله: (وترغبون أن تنكحوهن، رغبة أحدكم عن يتيمته) فيه تعيين أحد الاحتمالين في قوله: (وترغبون) لأن رغب يتغير معناه بمتعلقه يقال رغب فيه إذا أراده ورغب عنه إذا لم يرده، لأنه يحتمل أن تحذف في وأن تحذف عن، وقد تأوله سعيد بن جبير على المعنيين فقال: نزلت في الغنية والمعدمة، والمروي هنا عن عائشة أوضح في أن الآية الأولى نزلت في الغنية، وهذه الآية نزلت في المعدمة. قوله: (فنهوا) أي نهوا عن نكاح المرغوب فيها لجمالها ومالها لأجل زهدهم فيها إذا كانت قليلة المال والجمال، فينبغي أن يكون نكاح اليتيمتين على السواء في العدل، وفي الحديث اعتبار مهر المثل في المحجورات وأن غيرهن يجوز نكاحها بدون ذلك، وفيه أن للولي أن يتزوج من هي تحت حجره لكن يكون العاقد غيره، وسيأتي البحث فيه في النكاح، وفيه جواز تزويج اليتامى قبل البلوغ لأنهن بعد البلوغ لا يقال لهن يتيمات إلا أن يكون أطلق استصحابا لحالهن، وسيأتي البحث فيه أيضا في كتاب النكاح. *3* الشرح: قوله: (باب ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) ساق إلى قوله: (حسيبا) . قوله: (وبدارا مبادرة) هو تفسير أول الآية المترجم بها. وقال أبو عبيدة في قوله تعالى وأخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يعني يأكل مال اليتيم ويبادر إلى أن يبلغ فيحول بينه وبين ماله. قوله: (أعتدنا أعددنا أفعلنا من العتاد) كذا للأكثر، وهو تفسير أبي عبيدة، ولأبي ذر عن الكشميهني اعتددنا: افتعلنا والأول هو الصواب، والمراد أن أعتدنا وأعددنا بمعنى واحد، لأن العتيد هو الشيء المعد. (تنبيه) : وقعت هذه الكلمة في هذا الموضع سهوا من بعض نساخ الكتاب، ومحلها بعد هذا قبل " باب لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها". الحديث: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ بِمَعْرُوفٍ الشرح: قوله: (حدثني إسحاق) هو ابن راهويه، وأما أبو نعيم في " المستخرج " فأخرجه من طريق ابن راهويه ثم قال: أخرجه البخاري عن إسحاق بن منصور. قوله: (في مال اليتيم) في رواية الكشميهني " في والي اليتيم " والمراد بوالي اليتيم المتصرف في ماله بالوصية ونحوها، والضمير في كان على الرواية الأولى ينصرف إلى مصرف المال بقرينة المقام، ووقع في البيوع من طريق عثمان ابن فرقد عن هشام بن عروة بلفظ " أنزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح ماله، إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف " وفي الباب حديث مرفوع أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن الجارود وابن أبي حاتم من طريق حسين المكتب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " جاء جل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندي يتيما له مال، وليس عندي شيء، أفآكل من ماله؟ قال: بالمعروف " وإسناده قوي. قوله: (إذا كان فقيرا) مصير منه إلى أن الذي يباح له الأجرة من مال اليتيم من اتصف بالفقر، وقد قدمت البحث في ذلك في كتاب الوصايا، وذكر الطبري من طريق السدي " أخبرني من سمع ابن عباس يقول في قوله ومن طريق عكرمة " يأكل ولا يكتسى " ومن طريق إبراهيم النخعي " يأكل ما سد الجوعة ووارى العورة " وقد مضى بقية نقل الخلاف فيه في الوصايا. وقال الحسن بن حي: يأكل وصي الأب بالمعروف، وأما قيم الحاكم فله أجرة فلا يأكل شيئا. وأغرب ربيعة فقال: المراد خطاب الوفي بما يصنع باليتيم إن كان غنيا وسع عليه، وإن كان فقيرا أنفق عليه بقدره، وهذا أبعد الأقوال كلها. (تنبيه) : وقع لبعض الشراح ما نصه: قوله: (فمن كان غنيا فليستعفف) التلاوة ومن كان بالواو انتهى، وأنا ما رأيته في النسخ التي وقفت عليها إلا بالواو. *3* الشرح: قوله: (باب الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ قَالَ هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ تَابَعَهُ سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الشرح: قوله: (حدثنا أحمد بن حميد) هو القرشي الكوفي صهر عبيد الله بن موسى قال له دار أم سلمة لقب بذلك لجمعه حديث أم سلمة وتتبعه لذلك. وقال ابن عدي: كان له اتصال بأم سلمة يعني زوج السفاح الخليفة فلقب بذلك، ووهم الحاكم فقال: يلقب جار أم سلمة، وثقه مطين وقال: كان يعد في حفاظ أهل الكوفة، ومات سنة عشرين ومائتين، ووهم من قال خلاف ذلك، وما له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد، وشيخه عبيد الله الأشجعي هو ابن عبيد الرحمن الكوفي، وأبوه فرد في الأسماء مشهور في أصحاب سفيان الثوري، والشيباني هو أبو إسحاق، والإسناد إلى عكرمة كوفيون. قوله: (هي محكمة وليست بمنسوخة) زاد الإسماعيلي من وجه آخر عن الأشجعي " وكان ابن عباس إذا ولى رضخ، وإذا كان في المال قلة اعتذر إليهم، فذلك القول بالمعروف". وعند الحاكم من طريق عمرو بن أبي قيس عن الشيباني بالإسناد المذكور في هذه الآية قال " ترضخ لهم وإن كان في المال تقصير اعتذر إليهم". قوله: (تابعه سعيد بن جبير عن ابن عباس) وصله في الوصايا بلفظ " إن ناسا يزعمون أن هذه الآية نسخت، ولا والله ما نسخت، ولكنها مما تهاون الناس بها، هما واليان: وال يرث وذلك الذي يرزق، ووال لا يرث وذلك الذي يقال له بالمعروف يقول: لا أملك لك أن أعطيك " وهذان الإسنادان الصحيحان عن ابن عباس هما المعتمدان، وجاءت عنه روايات من أوجه ضعيفة عند ابن أبي حاتم وابن مردويه أنها منسوخة، نسختها آية الميراث، وصح ذلك عن سعيد بن المسيب، وهو قول القاسم بن محمد وعكرمة وغير واحد، وبه قال الأئمة الأربعة وأصحابهم، وجاء عن ابن عباس قول آخر أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن القاسم بن محمد " أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمن في حياة عائشة، فلم يدع في الدار ذا قرابة ولا مسكينا إلا أعطاه من ميراث أبيه " وتلا الآية قال القاسم فذكرته لابن عباس فقال: ما أصاب، ليس ذلك له، إنما ذلك إلى الوصي، وإنما ذلك في العصبة أي ندب للميت أن يوصى لهم. قلت: وهذا لا ينافي حديث الباب، وهو أن الآية محكمة وليست بمنسوخة. وقيل معنى الآية: وإذا حضر قسمة الميراث قرابة الميت ممن لا يرث واليتامى والمساكين فإن نفوسهم تتشوف إلى أخذ شيء منه، ولا سيما إن كان جزيلا، فأمر الله سبحانه أن يرضخ لهم بشيء على سبيل البر والإحسان. واختلف من قال بذلك هل الأمر فيه على الندب أو الوجوب؟ فقال مجاهد وطائفة: هي على الوجوب وهو قول ابن حزم أن على الوارث أن يعطي هذه الأصناف ما طابت به نفسه. ونقل ابن الجوزي عن أكثر أهل العلم أن المراد بأولى القرابة من لا يرث، وأن معنى (فارزقوهم) أعطوهم من المال. وقال آخرون: أطعموهم، وأن ذلك على سبيل الاستحباب وهو المعتمد، لأنه لو كان على الوجوب لاقتضى استحقاقا في التركة ومشاركة في الميراث بجهة مجهولة فيفضي إلى التنازع والتقاطع، وعلى القول بالندب فقد قبل: يفعل ذلك ولي المحجور، وقيل لا بل يقول: ليس المال لي وإنما هو لليتيم، وأن هذا هو المراد بقوله: *3* الشرح: قوله: (باب يوصيكم الله في أولادكم) سقط لغير أبي ذر " باب " و " في أولاكم " والمراد بالوصية هنا بيان قسمة الميراث. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَادَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ مَاشِيَيْنِ فَوَجَدَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَعْقِلُ شَيْئًا فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَزَلَتْ يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ الشرح: قوله: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف، وابن المنكدر هو محمد. قوله: (عن جابر) في رواية شعبة عن ابن المنكدر " سمعت جابرا " وتقدمت في الطهارة. قوله: (عادني النبي صلى الله عليه وسلم) سيأتي ما يتعلق بذلك في كتاب المرضى قبيل كتاب الطب. قوله: (في بني سلمة) بفتح المهملة وكسر اللام هم قوم جابر، وهم بطن من الخزرج. قوله: (لا أعقل) زاد الكشميهني " شيئا". قوله: (ثم رش على) بينت في الطهارة الرد على من زعم أنه رش عليه من الذي فضل، وسيأتي في الاعتصام التصريح بأنه صب عليه نفس الماء الذي توضأ به. قوله: (فقلت ما تأمرني أن أصنع في مالي) في رواية شعبة المذكورة " فقلت يا رسول الله لمن الميراث، إنما يرثني كلالة " وسيأتي بيان ذلك في الفرائض. قوله: (فنزلت يوصيكم الله في أولادكم) هكذا وقع في رواية ابن جريج، وقيل إنه وهم في ذلك وأن الصواب أن الآية التي نزلت في قصة جابر هذه الآية الأخيرة من النساء وهي وقد أخرجه أحمد عن ابن عيينة مثل رواية الناقد وزاد في آخره " كان ليس له ولد وله أخوات " وهذا من كلام ابن عيينة أيضا، وقد اضطرب فيه فأخرجه ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عنه بلفظ " حتى نزلت آية الميراث: إن امرؤ هلك ليس له ولد " وقال مرة " حتى نزلت آية الكلالة " وأخرجه عبد بن حميد، الترمذي عنه عن يحيى بن آدم عن ابن عيينة بلفظ " حتى نزلت يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " وأخرجه الإسماعيلي من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل عنه فقال في آخره " حتى نزلت آية الميراث: يوصيكم الله في أولادكم " فمراد البخاري بقوله في الترجمة " إلى قوله والله عليم حليم " الإشارة إلى أن مراد جابر من آية الميراث قوله: ولم ينفرد ابن جريج بتعين الآية المذكورة، فقد ذكرها ابن عيينة أيضا على الاختلاف عنه، وكذا أخرجه الترمذي والحاكم من طريق عمرو بن أبي قيس عن ابن المنكدر، وفيه نزلت فلما لم يعين تفسيرها بمن لا ولد له ولا والد لم يصح الاستدلال لما قدمته أنها نزلت في آخر الأمر وآية المواريث نزلت قبل ذلك كما أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال " جاءت امرأة سعد بن الربيع فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد، إن عمهما أخذ مالهما. قال: يقضي الله في ذلك. فنزلت آية الميراث. فأرسل إلى عمها فقال: أعط ابنتا سعد الثلثين وأمهما الثمن فما بقي فهو لك " وهذا ظاهر في تقدم نزولها. نعم وبه احتج من قال إنها لم تنزل في قصة جابر إنما نزلت في قصة ابنتا سعد بن الربيع، وليس ذلك بلازم إذ لا مانع أن تنزل في الأمرين معا. ويحتمل أن يكون نزول أولها في قصة البنتين وآخرها وهي قوله: وإذا تقرر جميع ذلك ظهر أن ابن جريج لم يهم كما جزم به الدمياطي ومن تبعه، وأن من وهمه هو الواهم والله أعلم. وسيأتي بقية ما يتعلق بشرح هذا الحديث في الفرائض إن شاء الله تعالى *3* الشرح: قوله: (باب قوله: ولكم نصف ما ترك أزواجكم) سقط قوله " باب " لغير أبي ذر، وثبت قوله " قوله " للمستملي فقط. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَالثُّلُثَ وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ وَللزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ الشرح: قوله: (كان المال للولد) يشير إلى ما كانوا عليه قبل، وقد روى الطبري من وجه آخر عن ابن عباس أنها " لما نزلت قالوا يا رسول الله أنعطي الجارية الصغيرة نصف الميراث وهي لا تركب الفرس ولا تدافع العدو؟ قال وكانوا في الجاهلية لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم". قوله: (فنسخ الله من ذلك ما أحب) هذا يدل على أن الأمر الأول استمر إلى نزول الآية، وفيه رد على من أنكر النسخ، ولم ينقل ذلك عن أحد من المسلمين إلا عن أبي مسلم الأصبهاني صاحب التفسير فإنه أنكر النسخ مطلقا، ورد عليه بالإجماع على أن شريعة الإسلام ناسخة لجميع الشرائع، أجيب عنه بأنه يرى أن الشرائع الماضية مستقرة الحكم إلى ظهور هذه الشريعة، قال فسمي ذلك تخصيصا لا نسخا، ولهذا قال ابن السمعاني: إن كان أبو مسلم لا يعترف بوقوع الأشياء التي نسخت في هذه الشريعة فهو مكابر، وإن قال لا أسميه نسخا كان الخلاف لفظيا، والله أعلم. قوله: (وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث) قال الدمياطي: قوله والثلث زيادة هنا، وقد أخرج المصنف هذا الحديث بهذا الإسناد في كتاب الفرائض فلم يذكرها قلت: اختصرها هناك، ولكنها ثابتة في تفسير محمد بن يوسف الفريابي شيخه فيه، والمعنى أن لكل واحد منهما السدس في حال وللأم الثلث في حال، ووزان ذلك ما ذكره في بقية الحديث " وللزوج النصف والربع " أي كل منهما في حال. *3* وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ الْآيَةَ وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَعْضُلُوهُنَّ لَا تَقْهَرُوهُنَّ حُوبًا إِثْمًا تَعُولُوا تَمِيلُوا نِحْلَةً النِّحْلَةُ الْمَهْرُ الشرح: قوله: (باب قوله: قوله: (ويذكر عن ابن عباس: لا تعضلوهن لا تقهروهن) في رواية الكشميهني " تنتهروهن " بنون بعدها مثناة من الانتهار، وهي رواية القابسي أيضا، وهذه الرواية وهم والصواب ما عند الجماعة. وهذا الأثر وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (لا تعضلوهن) لا تقهروهن وعن مجاهد أن المخاطب بذلك أولياء المرأة كالعضل المذكور في سورة البقرة، ثم ضعف ذلك ورجح الأول. قوله: (حوبا إثما) وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى ووصله الطبري من طريق مجاهد والسدي والحسن وقتادة مثله. والجمهور على ضم الحاء، وعن الحسن بفتحها. قوله: (تعولوا تميلوا) وصله سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله (ذلك أدنى أن لا تعولوا) قال أن لا تميلوا. ورويناه في " فوائد أبي بكر الآجري " بإسناد آخر صحيح إلى الشعبي عن ابن عباس، ووصله الطبري من طريق الحسن ومجاهد وعكرمة والنخعي والسدي وقتادة وغيرهم مثله، وأنشد في رواية عكرمة لأبي طالب من أبيات " بميزان صدق وزنه غير عائل " وجاء مثله مرفوعا صححه ابن حبان من حديث عائشة، وروى ابن المنذر عن الشافعي (أن لا تعولوا) أن لا يكثر عيالكم، وأنكره المبرد وابن داود والثعلبي وغيرهم، لكن قد جاء عن زيد بن أسلم نحو ما قال الشافعي أسنده الدار قطني، وإن كان الأول أشهر، واحتج من رده أيضا من حيث المعنى بأنه أحل من ملك اليمين ما شاء الرجل بلا عدد، ومن لازم ذلك كثرة العيال، وإنما ذكر النساء وما يحل منهن، فالجور والعدل يتعلق بهن. وأيضا فإنه لو كان المراد كثرة العيال لكان أعال يعيل من الرباعي. وأما تعولوا فمن الثلاثي، لكن نقل الثعلبي عن أبي عمرو الدوري قال وكان من أئمة اللغة قال: هي لغة حمير. ونقل عن طلحة ابن مصرف أنه قرأ " أن لا تعيلوا". قوله: (نحلة فالنحلة المهر) كذا لأبي ذر، ولغيره بغير فاء " قال الإسماعيلي: إن كان ذلك من تفسير البخاري ففيه نظر، فقد قيل فيه غير ذلك، وأقرب الوجوه أن النحلة ما يعطونه من غير عوض وقيل المراد نحلة ينتحلونها أي يتدينون بها ويعتقدون ذلك. قلت: والتفسير الذي ذكره البخاري قد وصله ابن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) قال: النحلة المهر. وروى الطبري عن قتادة قال: نحلة أي فريضة. ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: النحلة في كلام العرب الواجب، قال: ليس ينبغي لأحد أن ينكح إلا بصداق. كذا قال. والنحلة في كلام العرب العطية لا كما قال ابن زيد، ثم قال الطبري: وقيل إن المخاطب بذلك أولياء النساء، كان الرجل إذا زوج امرأة أخذ صداقها دونها فنهوا عن ذلك. ثم أسنده إلى سيار عن أبي صالح بذلك، واختار الطبري القول الأول، واستدل له. (تنبيه) : محل هذه التفاسير من قوله: (حوبا) إلى آخرها في أول السورة، وكأنه من بعض نساخ الكتاب كما قدمناه غير مرة، وليس هذا خاصا بهذا الموضع ففي التفسير في غالب السور أشباه هذا. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّيْبَانِيُّ وَذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ السُّوَائِيُّ وَلَا أَظُنُّهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ قَالَ كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ الشرح: قوله: (حدثنا أسباط بن محمد) هو بفتح الهمزة وسكون المهملة بعدها موحدة، كوفي ثقة، ليس له في البخاري سوى هذا الحديث. وأورده في كتاب الإكراه عن حسين بن منصور عنه أيضا. وقد قال الدوري عن ابن معين: كان يخطئ عن سفيان، فذكره لأجل ذلك ابن الجوزي في الضعفاء، لكن قال: كان ثبتا فيما يروى عن الشيباني ومطرف. وذكره العقيلي وقال: ربما وهم في الشيء. وقد أدركه البخاري بالسن لأنه مات في أول سنة مائتين. قوله: (قال الشيباني) سماه في كتاب الإكراه سليمان بن فيروز. قوله: (وذكره أبو الحسن السوائي، ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس) حاصله أن للشيباني فيه طريقين إحداهما موصولة وهي عكرمة عن ابن عباس، والأخرى مشكوك في وصلها وهي أبو الحسن السوائي عن ابن عباس. والشيباني هو أبو إسحاق، والسوائي بضم المهملة وتخفيف الواو ثم ألف ثم همزة واسمه عطاء، ولم أقف له على ذكر إلا في هذا الحديث. قوله: (كانوا إذا مات الرجل) في رواية السدي تقييد ذلك بالجاهلية. وفي رواية الضحاك تخصيص ذلك بأهل المدينة، وكذلك أورده الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس، لكن لا يلزم من كونه في الجاهلية أن لا يكون استمر في أول الإسلام إلى أن نزلت الآية، فقد جزم الواحدي أن ذلك كان في الجاهلية وفي أول الإسلام، وساق القصة مطولة، وكأنه نقله من تفسير الشعبي، ونقل عن تفسير مقاتل نحوه إلا أنه خالف في اسم ابن أبي قيس فالأول قال قيس ومقاتل قال حصين، روى الطبري من طريق ابن جريح عن عكرمة أنها نزلت في قصة خاصة قال: نزلت في كبشة بنت معن بن عاصم من الأوس وكانت تحت أبي قيس بن الأسلت فتوفي عنها، فجنح عليها ابنه، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي ولا تركت فأنكح، فنزلت هذه الآية. وبإسناد حسن عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال " لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته، وكان ذلك لهم في الجاهلية فأنزل الله هذه الآية". قوله: (كان أولياؤه أحق بامرأته) في رواية أبي معاوية عن الشيباني عن عكرمة وحده عن ابن عباس في هذا الحديث تخصيص ذلك بمن مات زوجها قبل أن يدخل بها. قوله: (إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا لم يزوجوها وهم أحق بها من أهلها) في رواية أبي معاوية المذكورة " حبسها عصبته أن تنكح أحدا حتى تموت فيرثوها " قال الإسماعيلي: هذا مخالف لرواية أسباط. قلت ويمكن ردها إليها بأن يكون المراد أن تنكح إلا منهم أو بإذنهم، نعم هي مخالفة لها في التخصيص السابق، وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " كان الرجل إذا مات وترك امرأة ألقى عليها حميمه ثوبا فمنعها من الناس، فإن كانت جميلة تزوجها وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت ويرثها " وروى الطبري أيضا من طريق الحسن والسدي وغيرهما " كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه الصداق " وزاد السدي " إن سبق الوارث فألقي عليها ثوبه كان أحق بها، وإن سبقت هي إلى أهلها فهي أحق بنفسها". *3* وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا وَقَالَ مَعْمَرٌ أَوْلِيَاءُ مَوَالِي وَأَوْلِيَاءُ وَرَثَةٌ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ هُوَ مَوْلَى الْيَمِينِ وَهْوَ الْحَلِيفُ وَالْمَوْلَى أَيْضًا ابْنُ الْعَمِّ وَالْمَوْلَى الْمُنْعِمُ الْمُعْتِقُ وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ وَالْمَوْلَى الْمَلِيكُ وَالْمَوْلَى مَوْلًى فِي الدِّينِ الشرح: قوله: (باب ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) ساق إلى قوله " شهيدا " وسقط ذلك لغير أبي ذر. قوله: (وقال معمر أولياء (موالي) أولياء ورثة (عاقدت أيمانكم) هو مولى اليمين وهو الحليف، والمولى أيضا ابن العم، والمولى المنعم المعق) أي بكسر المثناة (والمولى المعتق) أي بفتحها (والمولى المليك، والمولى مولى في الدين) انتهى. ومعمر هذا بسكون المهملة وكنت أظنه معمر بن راشد إلى أن رأيت الكلام المذكور في المجاز لأبي عبيدة واسمه معمر بن المثنى، ولم أره عن معمر بن راشد، وإنما أخرج عبد الرزاق عنه في قوله: وكذا أخرجه إسماعيل القاضي في " الأحكام " من طريق محمد بن ثور عن معمر. وقال أبو عبيدة وساق ما ذكره البخاري، وأنشد في المولى ابن العم " مهلا بني عمنا مهلا موالينا " ومما لم يذكره وذكره غيره من أهل اللغة: المولى المحب، والمولى الجار، والمولى الناصر، والمولى الصهر، والمولى التابع، والمولى القرار، والمولى الولي، والمولى الموازي. وذكروا أيضا العم والعبد وابن الأخ والشريك والنديم، ويلتحق بهم معلم القرآن جاء فيه حديث مرفوع " من علم عبدا آية من كتاب الله فهو مولاه " الحديث أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة، ونحوه قول شعبة: من كتبت عنه حديثا فأنا له عبد. وقال أبو إسحاق الزجاج: كل من يليك أو والاك فهو مولى. الحديث: حَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِدْرِيسَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ قَالَ وَرَثَةً وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرِيُّ الْأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلْأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ نُسِخَتْ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ النَّصْرِ وَالرِّفَادَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ وَيُوصِي لَهُ سَمِعَ أَبُو أُسَامَةَ إِدْرِيسَ وَسَمِعَ إِدْرِيسُ طَلْحَةَ الشرح: قوله: (حدثنا الصلت بن محمد) تقدم هذا الحديث سندا ومتنا في الكفالة، وأحيل بشرحه على هذا الموضع. قوله: (عن إدريس) هو ابن يزيد الأودي بفتح الألف وسكون الواو والد عبد الله بن إدريس الفقيه الكوفي، وإدريس ثقة عندهم، وما له في البخاري سوى هذا الحديث. ووقع في رواية الطبري عن أبي كريب عن أبي أسامة " حدثنا إدريس بن يزيد". قوله: (عن طلحة بن مصرف) وقع في الفرائض " عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي أسامة عن إدريس حدثنا طلحة". قوله: (ولكل جعلنا موالي، قال: ورثة) هذا متفق عليه بين أهل التفسير من السلف، أسنده الطبري عن مجاهد وقادة والسدي وغيرهم، ثم قال: وتأويل الكلام ولكلكم أيها الناس جعلنا عصبة يرثونه مما ترك والده وأقربوه من ميراثهم له. وذكر غيره الآية تقديرا غير ذلك فقيل: التقدير جعلنا لكل ميت ورثة ترث مما ترك الوالدان والأقربون. وقيل: التقدير ولكل مال مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا ورثة يجوزونه. فعلى هذا " كل " متعلقة بجعل و " مما ترك " صفة لكل و " الوالدان " فاعل ترك، ويلزم عليه الفصل بين الموصوف وصفته، وقد سمع كثيرا، وفي القرآن وأوضح من ذلك أن الذي يضاف إليه كل هو ما تقدم في الآية التي قبلها وهو قوله: قوله: (والذين عاقدت أيمانكم: كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون من ذوي رحمه لأخوة) هكذا حملها ابن عباس على من آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، وحملها غيره على أعم من ذلك فأسند الطبري عنه قال: كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهم نسب فيرث أحدهما الآخر، فنسخ ذلك. ومن طريق سعيد بن جبير قال: كان الرجل يعاقد الرجل فيرثه، وعاقد أبو بكر مولى فورثه. قوله: (فلما نزلت وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال " كان الرجل يعاقد الرجل، فإذا مات ورثه الأخر، فأنزل الله عز وجل ومن طريق قتادة: كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول دمي دمك وترثني وأرثك، فلما جاء الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس، ثم نسخ بالميراث فقال وقد تعرض له ابن عباس في حديثه أيضا لكن لم يذكر الناسخ الثاني، ولا بد منه، والله أعلم. قوله: (ثم قال (والذين عاقدت أيمانكم) من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصى له) كذا وقع فيه، وسقط منه شيء بينه الطبري في روايته عن أبي كريب عن أبي أسامة بهذا الإسناد ولفظه: ثم قال (والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) من النصر إلخ، فقوله من النصر يتعلق بأتوهم لا بعاقدت ولا بأيمانكم، وهو وجه الكلام. والرفادة بكسر الراء بعدها فاء خفيفة الإعانة بالعطية. قوله: (سمع أبو أسامة إدريس وسمع إدريس طلحة) وقع هذا في رواية المستملي وحده، وقد قدمت التنبيه على من وقع عنده التصريح بالتحديث لأبي أسامة من إدريس ولإدريس من طلحة في هذا الحديث بعينه، وإلى ذلك أشار المصنف، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب قوله: ويقال الذرة لا وزن لها وإن شخصا ترك رغيفا حتى علاه الذر فوزنه فلم يزد شيئا حكاه الثعلبي. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أُنَاسًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ قَالُوا لَا قَالَ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ قَالُوا لَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ وَغُبَّرَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ مَنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ لَهُمْ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ فَقَالُوا عَطِشْنَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا فَيُشَارُ أَلَا تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ مَنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ لَهُمْ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ فَيُقَالُ لَهُمْ مَاذَا تَبْغُونَ فَكَذَلِكَ مِثْلَ الْأَوَّلِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنْ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا فَيُقَالُ مَاذَا تَنْتَظِرُونَ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ قَالُوا فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَفْقَرِ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ رَبَّنَا الَّذِي كُنَّا نَعْبُدُ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا الشرح: حديث أبي سعيد في الشفاعة وسيأتي شرحه مستوفي في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى مع حديث أبي هريرة المذكور هناك وهو بطوله في معناه، وقد وقع ذكرهما بتمامهما متواليين في كتاب التوحيد. وشيخه محمد بن عبد العزيز هو الرملي يعرف بابن الواسطي وثقه العجلي ولينه أبو زرعة وأبو حاتم، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الاعتصام. إن شخصا ترك رغيفا حتى علاه الذر فوزنه فلم يزد شيئا حكاه الثعلبي. ثم ذكر المصنف حديث أبي سعيد في الشفاعة وسيأتي شرحه مستوفي في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى مع حديث أبي هريرة المذكور هناك وهو بطوله في معناه، وقد وقع ذكرهما بتمامهما متواليين في كتاب التوحيد. وشيخه محمد بن عبد العزيز هو الرملي يعرف بابن الواسطي وثقه العجلي ولينه أبو زرعة وأبو حاتم، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الاعتصام.
|